لا ينكر أي منا ما للمال من دور في حياة
الأفراد والمجتمعات فالمال زينة الحياة الدنيا، والمال عصب الحياة، والمال أيضا
وسيلة من وسائل السعادة في الحياة ( في الحقيقة المال لا يجلب السعادة ولكن فقط
يسمح لنا بأن نعيش تعاستنا برفاهية ). في هذه التدوينة سأستعرض معكم تجارب عمل
متعددة قمت بها في سنواتي السابقة.
·
أول تعامل مباشر لي مع المال كان في سنواتي الأولى، فقد كانت لأخي "طبيلة"
(لا أعلم اسما يصفها بالعربية، تواصل معي إن علمته) يبيع بها الحلوى والبسكويت في
الصيف، وكنت أشعر بسعادة غامرة عند جلوسي بجواره وهو يقوم بمعاملاتها التجارية "الضخمة"
من وجهة نظري ( أغلب المبيعات كانت عبارة عن حلويات من فئة 10 سنتيم و علكة من فئة
5 سنتيمات تسمى "بازوكة د ريال"، أما حين يتقدم أحدهم لشراء بسكويت ب
درهم كامل فأشعر حينها أن يوم عمله قد انتهى وأنه قد قام بصفقة اليوم )، جلست مرارا في ذلك "المركز التجاري" فقط أحرس السلع الموجودة في غياب
أخي، لكنني لم أقم بأي عملية بيع، ذلك أنني لم أكن بعد قد تعلمت أسس التعاملات
المالية.
·
في سنوات الابتدائي كنت أحرص أسبوعيا على بيع الخبز اليابس أو الحديد
المتلاشي لأصحاب الخردة. في الحقيقة لم تكن تلك "التجارة" تدر علي
الكثير من المال، لكنه كاف لشراء كمية من الحلوى والبسكويت وساعة أو ساعة ونصف في قاعة
الألعاب.
·
بعت الكتب الدينية أمام المساجد في سنوات الإعدادي، كنت أشتريها جملة من حارة العطارين بالمدينة القديمة بدرهم ونصف وأبيعها بدرهمين أمام المساجد. في إحدى
الليالي الصيفية وبعد صلاة العشاء بالضبط بعت ما شاء الله أن أبيع، وقبل أن أهم
بجمع مفروشاتي من الكتب، قدم إلى شخص لم أتعرف إليه لحد اليوم، دعا لي بالتيسير
والبركة وأعطاني ورقة مالية دون أن أتعرف على قدرها، تفاجأت أنه لم يأخد أي كتاب
في المقابل، ولم أمتلك الشجاعة لأن أفتح يدي لمعرفة فئة هذه الورقة، ثم وضعتها في جيبي
وجمعت كتبي وانصرفت. حين وصلت للبيت اخرجتها، وخرجت معها كل علامات الحيرة
والاستغراب والفرح والهلع وجميع المشاعرة مختلطة. تأكدت منها مرارا فتبين لي حقا أنها
ورقة نقدية من فئة 100 درهم .
·
اشتغلت في دكان للمواد الغدائية، وعلمت مدى قساوة هذه التجارة، كيف يتوجب
عليك الاشتغال من السابعة صباحا إلى الحادية عشرة ليلا دون انقطاع أو توقف، شعرت
بذلك الإحساس الذي يعتريك وأنت تكافح من أجل توفير لقمة عيش، لم تعجبني أبدا تلك
التجارة شعرت وكأنها سجن اختاره طواعية صاحب الدكان.
·
اشتغلت بعد ذلك في إحدى المحلبات، أقوم بغسل الأواني والكؤوس وتوزيع
المأكولات على الزبائن، كانت مهمة صعبة للغاية خصوصا عندما أظل وحدي بالمحلبة
ويطلب مني أحدهم لترا من الحليب، وبما أنني لم أكن أحسن عقد الكيس الذي أضع فيه
الكمية المطلوبة، أظل أحاول وأحاول إلى أن يطلب مني الزبون في الأخير أن لا بأس
بأن يأخد الكيس مفتوحا. أمر صعب آخر، هو عندما أتوجه لأحدى الطاولات لمعرفة طلب
الزبون، وبمجرد أن أعود لأعد له طلبه إلا وتختلط لدي كل أنواع المأكولات فأظل أذهب
وأعود مرارا وتكرارا للتأكد من طلبه .
·
نظرا لانخراطي بجمعية تعنى بقضايا الطفولة، فقد اشتغلت في تنشيط الأطفال
الصغار، قدمت عروضا بهلوانية كثيرة، حاولت أنا وصديقي الذي أقدم العرض معه أن نبدع
في هذا المجال وأن تكون أعمالنا هادفة، ذات رسالة ومضحكة حد القهقهة. لم يعد يرهبني
الوقوف في المنصة، في إحدى الفترات كانت تنهال علينا الطلبات كثيرا، لكن ضغط
الامتحانات جعلني أعتذر عن كثير منها.
·
قدمت دعما في مواد دراسية مختلفة، وأكثر مادة استمتعت كثيرا بها هي مادة
الرياضيات، أحسست أن تلاميذي صاروا يقبلون على تلك الحصص وكلهم رغبة في تعلم
المزيد والمزيد، مرة أخرى جعلتني الامتحانات الدراسية أتوقف عن هذا الأمر.
·
اتجرت في المناديل و أقمشة التنظيف وما يجاور ذلك، كنت اعرض سلعتي في
"سويقة" حي عوينات الحجاج، لم تكن قوات الأمن تسمح لنا بعرض سلعنا على
الشارع، كلما نراها قادمة إلا و يستولي علينا القلق ويركبنا الخوف والفزع، نهرب
لمدة معينة ثم نعود مباشرة بعد ذهابهم. كنت أعود منهكا للبيت إذ رغم قصر المدة
التي أعرض فيها السلع إلا أن لفحات الشمس الصيفية كانت تؤدي مفعولها وننحني خشعا
للهيبها الحارق.
·
اشتغلت في متجر لبيع وإصلاح الهواتف النقالة والحواسيب، تميزت هذه التجربة
بكونها علمتني أن الثقافة الالكترونية لأغلب الزبائن كانت متدنية، وأنه لا يزال
هنالك أشخاص كثر ينصبون برامج أو تطبيقات دون معرفة مصدرها وعملها أو أي شيئ عنها
(شيئ مقزز).
·
اشتغلت في مجال التصميم والتصوير، مدخول هذه الأعمال لم يكن كثيرا لكنه كان
يفي بأغراضي البسيطة.
·
اشتغلت في مواقع الفريلانس Freelance، لم أجني
الكثير منها لكنني سأشتغل عليها بكل تأكيد هذه السنة.
·
اليوم - وهي أول تجربة طيلة حياتي - أشتغل بشهادة دراسية، أشتغل مع شركة
لترحيل الخدمات، نشتغل مع أحد مزودي خدمة الاتصالات بفرنسا. من بين الأشياء التي
لا تعجبني في هذا العمل هي أننا لا نعير أدنى اهتمام لا لأعيادنا الوطنية أو
الأعياد الدينية (يمكنك قراءة تدوينة كيف تصبح مواطنا غير صالح)
هذه أغلب التجارب المهنية التي قمت بها،
أفتخر بكل واحدة منها ومتأكد أن كل تجربة أضافت لي خبرة لم أكن لأجدها في غير ذلك
المكان.
نصيحتي لكل الآباء هي أن يثقوا في أبنائهم وأن يتيحوا لهم فرصة التعامل
بالمال، وسيعلمون فيما بعد فضل مثل هذه التجارب في تكوين شخصيات أبنائهم.
مقال رائع أخي فخور
RépondreSupprimerاشتغلت أيضا في 90 في المئة من ما قلت،أنترنيت و محل هوتف و بيع الكتب في باب المسجد و .... فعلا تجارب رائعة تعلم الواحد منا صعوبة جني المال :D
RépondreSupprimerأولا، ربما لم تكن تعلم ذلك حينها، لكن بالتأكيد تعلم الآن أنك كنت محظوظا جدا للمرور بكل هاته التجارب..
RépondreSupprimerثانيا، أفضل ما تكتبه في رأيي هو ما يحتوي على سرد و قصص.. أرجو أن أقرأ تدوينات مشابهة مستقبلا
:)
أحييك على هذه التجارب..لاشك أنها أضافت لك الكثير وصقلت شخصيتك
RépondreSupprimerبالتأكيد كانت مراحل مفيدة جدا في باقي حياتي
Supprimerشكرا رقية لمرورك العطر